ملخص البحث
اشتهرت بلاد المغرب الإسلامي بالتعليم القرآني في وقت مبكرّ جدّا، بل تفيد الروايات التاريخية أنه انتشر في عهد الصحابة y ، ويبين البحث أن وظيفة التعليم القرآني قد تولّتها ثلاث مؤسسات:
– الكتاتيب: وتشتهر في بعض بلاد المغرب بـ”لِمْسيد”، وهي عبارة عن أماكن مخصصة لتعليم الصبيان تُلحق في كثير من الأحيان بالمسجد وترتبط به ارتباطا وثيقا، بل في كثير من الأحيان يكون معلّم الصبيان هو إمام الصلوات، وإنما عُزل المسجد عن مكان تعليم الصبيان لكراهة مالك بن أنس –رحمه الله- لذلك لتنزيه المسجد عن النجاسات التي لا ينفصل عنها الصبيان، وكذا لكراهته رفع الصوت في المسجد وهو أمر لا يخلو منه تعليم الصبيان.
– الرباطات: وهي الأماكن التي كانت تتخذ ليرابط فيها أهل الثغور لحراسة بلاد الإسلام من العدوّ ثم اتخذها بعض العبّاد والمتصوفة بعد ذلك للعزلة والتعبّد وتعلّم القرآن وتعليمه وما يحتاجونه من أمر دينهم، وأشهر الرباطات التي هي قائمة إلى اليوم ما يُعرف برباط المنستير في تونس.
– الزوايا: وهي أشبه بالرباطات، وهي عبارة عن أماكن ينزوي فيها المتصوفة للعبادة ويُطعم فيها الفقراء ويُرفق فيها بالواردين وعابري السبيل، ومن عادة الزوايا أن تتبع طريقة خاصة في الذكر والتصوّف. وتشترك كل الزوايا على اختلاف طرقها في تعليم الصبيان القرآن الكريم، وتُتخذ فيها في مراقد وإقامات للطلاب الوافدين من الأماكن البعيدة.
ويشتهر في صحراء بلاد المغرب تلقيب معلم الصبيان بـ “نعمسيدي” أي “نعمْ” و “سيدي” وذلك لعظم منزلته عندهم بحيث لا يُردّ له أمر ولا يُقال له “لا” في كل حال. ويُلزم أهل البلدة جميعا بالقيام على نفقته وأجرته بحسب أعرافهم.
واشتهرت قراءة “ابن عامر” في أول الأمر حيث أوفدها بعْث عمر بن عبد العزيز t، ثم في المائة الثانية اشتهرت قراءة حمزة وكان يقرأ خواص الناس بقراءة نافع. ثم لما انتشرت قراءة نافع في الأندلس وفد بها العلماء والقراء إلى بلاد المغرب واستمروا على ذلك إلى اليوم.
وكان من خصوصيات التعليم القرآني في بلاد المغرب أنهم يكرهون أن يُعلّم معلم الصبيان البنات، وإذا دعت الحاجة لتعليمهنّ أن لا يُخلطن مع الأولاد للحيطة من الفساد.
وأن يحرص المعلّم أن بعلّمهم مع القرآن ما يقيمون به عبادتهم من الطهارة والصلاة ونحو ذلك، وأن يحرص أن يقيموا بينهم أحكام الشريعة فيما يتعاملون به.
وأوّل ما يُبدأ به في التعليم “أبتثية” من ثلاثين حرفا على ترتيب معروف يختص به المغاربة، ثم يُعلّم حركات الإعراب، وبعد إتقان ذلك يُبدأ في تحفيظه السور، ويحْرص المعلّم على الإملاء على الصبي ليكتب في اللوح، ثم يصحح له اللوح بعد الإملاء، وبعد الحفظ يُمحى اللوح، وبعد المغرب يجتمع الصبيان على التكرار لما حفطوه من الأحزاب، ويحرص المعلّم كذلك على تعريض كلّ صبي ما يحفظه كاملا على انفراد في مراحل مختلفة.
وهناك أدوات معروفة يستعملها المعلّم والصبيان في مراحل التعليم: كاللوح، وقلم القصب، والدواة من “البطوم” أو “لكْعال”، و”الفلقة” للضرب والتأديب والطين لمحو الألواح.
كما أن هناك إجازات معروفة عند المغاربة سواء لمعلّم الصبيان أو للصبيان، وعندهم كذلك أعراف معيّنة واحتفالات عند ختم الصبيّ لحفظ القرآن.