ظل المغرب منذ الفتح الإسلامي يرعى الكتاتيب القرآنية ويعتني بها ويسعى إلى تطوير مناهجها العلمية والتربوية، لإيمانه الراسخ بأنها المحضَن لتعليم القِيم الإسلامية الرصينة، والرافد للمعرفة المتنورة القائمة على كتاب الله عزّ وجل والمرتبطة بعلومه، وقد عرفت هذه الكتاتيب على مستوى الآليات والمناهج التربوية تطوّرا ملحوظا أسهمَ بشكل كبير في التعريف بالخصوصية المغربية في مجال تحفيظ الأطفال القرآن الكريم, كالعناية بالأنصاص القرآنية والمتون العلمية أو المواد والوسائل المستعملة: كاللّوح والصمغ والقلم والكرار وغيرها.
وقد استفاد الشأن الديني في عمومه من هذه الآليات والمناهج المعتمدة بالكتاتيب القرآنية من خلال حفظ الهوية المغربية وإثراء الحركة العلمية، فظهرت الأنشطة الأساسية والداعمة والمتمثلة في قراءة الحزب الراتب، وأداء الصلاة جماعة وتقدم الجموع في صلاة الاستسقاء، والاحتفال بليلة ختم القرآن الكريم، كما حافظت هذه الأنشطة على توحّد المغاربة على قراءة الإمام نافع برواية ورش من طريق الأزرق وتطبيقها بوقف الهبطي، وأسهمت في تأهيل جيلٍ من الأئمة والخطباء والعلماء الذين تزيّنت بهم المحارب والمنابر والمجالس العلمية، وفتحت في وجه الطلبة آفاق واعدة لخدمة دينهم ووطنهم.
وفي المقابل سعى القانون المؤطر للتعليم العتيق رقم 13.01 والصادر بتاريخ 15 ذي القعدة 1422هـ(29يناير2002)، إلى الحفاظ على الخصوصية المغربية التي تعتمد منهجية التلقين في حفظ وتعهد القرآن الكريم، دون إغفال الجانب التأطيري والتنظيمي، والذي برز بشكل خاص في ظلّ “المنهاج التربوي لتعليم القرآن الكريم” الذي أصدرته مديرية التعليم العتيق بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بهدف الارتقاء بجودة تحفيظ القرآن الكريم وإنتاج وثيقة تربوية مؤطرة لهذا التعليم، حيث اتضح تركيز المنهاج على استئناس الطالب القرآني بأجواء الكتّاب والأدوات والوسائل المتواجدة به، في أفق تطوير معارفه العلمية والتربوية بمدارس التعليم العتيق، فأصبح بذلك الكتّاب القرآني وسيلة للالتحاق الطالب بمؤسسة التعليم العتيق لمتابعة واستكمال الدراسة وإكمال حفظ القرآن الكريم ودراسة المتون العلمية.