مقاربة تنظيرية لعلم تحفيظ القرآن الكريم


ملخص البحث

 يقدِّم الباحث طرحًا تنظيريًّا لما يمكن أن يُصطلح عليه بمصطلح (علم تحفيظ القرآن الكريم)، إذ إنَّ كثيرًا من الكتابات في هذا الموضوع تتعامل معه على أنَّه مُجرَّد مجموعة من الطرق والوسائل التي يقوم من خلالها الـمربُّون في حقل التربية الإسلاميَّة بتحفيظ القرآن للـمُخاطبينَ بالتربية والتعليم. من جهةٍ أخرى يتجاذبُه علمُ التربية العامُ بما ينضوي عليه من تَعاطٍ لنظريَّات التربية وأصولها، والمناهج وطرق التدريس، وعلم النفس التربويّ ..إلخ.

ولأنَّ لِتعليم القرآنِ خصوصيتَهُ؛ الغائية والوسائلية؛ فقد وجد الباحث أنَّ التأصيل لهذا العلم كفرعٍ علميٍّ مستقِّلٍ من فروع علوم القرآن وعلوم التربية والتعليم= يمكن أن يُثري الدراسات البحثية التحفيظيَّة، ويطرق بها آفاقًا جديدة غير مطروقةٍ، ويُعبِّد لها سبلًا غير معبَّدة، ويُعيد توصيف علاقة علم التحفيظ بغيره من العلوم، بما يخطُّ له خطًّا مُحدَّدًا يجعله قسيمًا لبعضِ الفروع التي اعتُبرَ التحفيظُ فرعًا عنها، أو وسيلةً في تعليمها… أو نحو ذلك.

إنَّ هذا التوصيفَ لِعلم التحفيظِ ضروريٌّ في تحرير عشرات المصطلحات الفنيَّة التخصصيَّة التي لم تحظَ بقدْرٍ كافٍ شافٍ من ذلك، كما أنَّه ضروريٌّ في تطوُّره رأسيًّا، وتمدُّده أُفقيًّا: رأسيًّا من خلال تحديد نقاطٍ للتخصُّص الدقيق الـمُفضي إلى التجديد المطلوب في الوسائل والابتكار المأمول، وأفقيًّا من خلال إعادة ضمِّ بعض جزئيَّات العلوم القريبة إلى علم التحفيظ، مثل طُرق تعليم التجويد فهي أولى بعلم التحفيظ من علم التجويد، وتكوين ملكة الإقراء؛ إذ إنَّ أوَّل مراحل تكوينها العمليَّة تبدأ مع أوَّل كلمة يسمعها الطفل من محفِّظه. كذلك فإنَّ مدّ الأواصرِ إلى علومٍ قد تبدو بعيدةً عن علم التحفيظ كفيلٌ بأن يفتحَ آفاقًا غير متوقَّعةٍ للبحوث، مثل العلوم الإحصائية، والعلوم الرياضاتية كالنمذجة الرياضيَّة، وعلم النفس والذاكرة، فضلًا عن علوم التقنيَّة، وتلك ضربةُ لازبٍ لإدارة الجودة الشاملة في التعليم القرآني: في وضع معاييرها، وضمانها، ومتابعتها، وتوكيدها، وتطويرها.

إنَّ التقعيد لهذا العلم يُؤصِّل للغاياتِ، ويؤطِّر للثابت والمتغيِّر في الوسائلِ، ويُجلِّي الفهمَ الصحيح للحِفظِ في مستوياته الثلاث: حفظ الروايةِ، وحفظ الدراية، وحفظ الرعاية؛ بل ويُثبتُ في طريقه إلى ذلكَ أنّ المحفوظ من القرآن بالضمان الربَّانيِّ لا ينحصرُ في حفظ السطورِ وحفظِ الصدورِ؛ بل يتجاوزه إلى ضماناتِ حفظِ الفهمِ والتطبيقِ، وهي متلازمةٌ إلى أن يُرفع القرآنُ من الصدور والسطور، وتزامنًا: لا يبقى عاملٌ في الأرض يقول: الله الله!

ويتناول البحث علمَ التحفيظِ: اسمَه، وحدَّه، وموضوعَه، وأهميته، وثمرته، وفضله، واستمدادَه وإمدادَه، وأهمَّ رجاله وفرسانه.. وغير ذلك.